Life goes on

Life goes on

الاثنين، 6 يناير 2014

كتاب اليد و اللسان

 اليد و اللسان



     قد يكون اسم الكتاب غريبا و لكن سرعان ما سيزول استغرابك حال قراءتك للمقدمة, فهي تحكي قصة لرجل قطعت يده اليمنى بسبب تسجيله لما يمر ببلده من ظلم و جور, و قصة أخرى لعبد يغوث اللذي ربط لسانه بنسعة نعل و ذلك خوفا من تحرك لسانه بالأشعار لنقل الأخبار, فالكاتب هنا يريد توضيح علاقة اليد و اللسان في حركة الثقافة, و أن من يؤلف سيكون بين حدي سكين أحدهما سلطوية رسمية و الثانية سلطوية شعبية, و الذكي هو من يلقي حجرا لتحريك الثقافة الراكدة باكتشاف سبل تعبير و اختراع  حيل لا حصر لها, كهاملت اللذي تقمص دور المجنون كي يفضح المؤامرات تحت لغة الجنون ليسلم.

     نبدأ بالفصل الأول و الذي استهل بالسؤال: هل نحن حقاَ أمة لا تقرأ؟
     أولاً: تخيل لنا صياغة السؤال أن الثقافة كلها تتمحور حول مفهوم القراءة, لذلك فعلينا فهم ما تعنيه القراءة, إن القراءة يا سادة هي وسيلة لإرسال و استقبال و ليس علامة ثقافية بارزة, فطه حسين  و المعري و امرؤ القيس يملكون ثقافة راقية مع فقدانهم لوسيلة القراءة, لذلك فعلينا أن نراجع المصطلحات الثقافية ذات العمق الحقيقي, فهنالك الثقافة السمعية و البصرية و الشفاهية, و لكل منا طريقته في الثقافة و ما القراءة إلا صيغة من صيغ الثقافة و ليست مؤشراً على الثقافة, ثم يعرض الكاتب أدلته على تنوع المصادر الثقافية حيث الثقافة الشفاهية السائدة في العصر الجاهلي متمثلة في الشعر, و الثقافة السمعية البصرية في عصرنا الحالي و المتمثلة في التلفاز و المرويات الصوتية.
     ثانياً:  علينا فهم المقارنة الثقافية فمن الملاحظ أن تجرى مقارنات بين العرب و الغرب بالإشارة إلى ظاهرة الأكثر مبيعاً حيث تجرى المقارنة بالأرقام كمحاولة لتكبيت العرب, و الحقيقة هي أن ظاهرة الأكثر مبيعاً في الغرب ليس علامة على الثقافة الجادة أو مؤشر على القوة الثقافية للغرب, لأن نوعية الكتب المستهلكة في الغرب هي كتب ساذجة و بسيطة و ليست كتباً في المعرفة و الثقافات العليا, كمثال كتب هاري بوتر و روايات الخيال العلمي و كتب تدور حول العلاقات الاجتماعية, و هي إلى الاستهلاك و صناديق النفايات أسرع منها إلى العقول, لذلك فمسألة ظاهرة الأكثر مبيعاً في الغرب و ضعف ثقافة العرب مجحفة نوعاَ ما.

     يأتي بعد ذلك الفصل الثاني شارحاً بشكل أوسع عن ثقافة الأكثر مبيعاً, و طرح مثالاً استفاض فيه الكاتب ألا و هو كتاب (لا تحزن) للدكتور عائض القرني. فمبيعات الكتاب وصلت ثلاثة ملايين نسخة, و لا يدل هذا الرقم أننا أمام ثلاثة ملايين مثقف بل ثلاثة ملايين حزين, فشعبية الكاتب و اسم كتابه الذي لامس مشكلة اجتماعية يعاني منها شريحة كبيرة في الوطن العربي من أهم عوامل انتشار الكتاب, لذلك نستطيع القول أن ثلاثة ملايين اشتروا الكتاب بدافع الاستشفاء لا التثقف.  و انتقد بعد ذلك الكتب الاجتماعية المبتذلة و التي تصل إلى مبيعات عالية لا لمحتواها القائم على أسس علمية و دراسات بل اشتهرت بسبب حساسية محتواها أو شعبية كاتبها, ككتاب المذيع ستيف هارفي و كتابه (تصرفي كامرأة و فكري كرجل) و هو كتاب يُنتقد من عنوانه العنصري, فهو يخص المرأة بالعاطفة و السذاجة بينما يخص الرجل بالتفكير و حسن التدبير, و كأن العنوان ينظر نظرة دونية للمرأة, و قد نجح الكتاب في الغرب بسبب كونه مجتمع ترتفع فيه انعزالية الفرد و تقلص دور العائلة و كنتيجة لذلك يلجأ الأفراد إلى نصائح المؤلفين بدلاَ من نصائح الأمهات و الجدات.
 و فضح المؤلف أحد حيل دور النشر العربية, حيث تطبع خمسمائة نسخة فقط و هذا سيعطيها مجالاً  لإعلان نفاد الطبعة الأولى (من دون ذكر أرقام) و التبشير بالطبعة الثانية, و إذا رأى الزبون أن هذا الكتاب قد صدرت منه طبعتان في شهور تولد عنده الظن بأهمية الكتاب!

الفصل الثالث
انتقد فيه ربط الأمية بالجهل و التخلف, متناسين أن من قاد المجد هو رسولنا الأمي عليه أفضل الصلاة و السلام, إن الأمية ليست معياراً يصح القياس عليه للحكم على التقدم, و إذا ذكرنا الثقافة في أيام مجدنا التليد فإننا نتكلم عن فئة نخبوية قادت الفكر و الثقافة وسط بحر مائج من الأميين و لم يضرها ذلك, و لم تكن أمية أغلبية العرب تسبب لهم التخلف, بل إن هؤلاء الأميين هم من فتح المعمورة, إن الأمية هي أمية الأفكار و الرؤى لا أمية القراءة و الكتابة.
إن الذي يقرر مصير التقدم في أمة من الأمم ليس هو وجود ملايين البشر ممن يقرأون و يكتبون, و لكنها فئة قليلة تجيد هذا الدور و تتمكن منه تمكناً إبداعياً و علمياً هي التي تقود الأمة للتقدم.

الفصل الرابع:
سافر الكاتب في هذا الفصل إلى ذكرياته حيث بيوت  الطين و الحواري الضيقة, حكى لنا بداية صداقته مع الكتب و كيف باع دراجته العزيزة لأجل شراء الكتب, و ذكر رحلاته مع أصحاب شاركوه هذا الحب الجميل. عشقه للكتب سينتقل إليك أثناء القراءة لا شعورياً, و من عباراته الغزلية بالكتب: (و هكذا تأتي الكتب لتكون مصدراً لربيع الروح و نهراً من الذكريات و كنزاً من الأنفاس و العرق و الإلهام إضافة إلى كونها معرفة حية تظل معك و تدفع بك لتحقق معاني وجودك و صيغة حياتك)

الكتاب لذيذ لعشاق القراءة و أعتبره شحنة ملكية أضافت نكهة جديدة إلى الثقافة الراكدة. إنه يجعلنا نرى الثقافة من منظور ثقافي حديث و يعيد فهمنا الخاطئ لها, أنصح بقراءته لأنه ينمي حاسة صيد الكتب ذات الغزارة الحقيقية للمعرفة.

رابط تحميل الكتاب من هنا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق